عظة سيادة المطران جورج في عيد تجليسه
"سِرْ إلى العمق وألقوا شباككم للصّيد"
هو شعار أسقفيّتي منذ عشر سنوات حيث شعرْتُ أنّ الرّبَّ يناديني من لبنان إلى الأردن وحاليًّا في مصر، حيثُ أتَتْ وزارَتْها العائلة المقدّسة، مصر أرض الكنانة، أرض الخير والبركة والسّلام، ومن مصر إلى السّودان، وزائرًا على شمال أفريقيا متفقّدًا أبناءنا وشعبنا.
"سِرْ إلى العمق" أي انطلق إلى البعيد في مغامرة مع الحياة والرّسالة.وقد كانت مغامرة ناجحة حيث تاجرْتُ بالوزنات التي أعطاني إيّاها الله.وعليّ ان اتابع رسالتي بكل أمانة ورعاية.
لقد لبَّيْتُ النّداء ودعوة الربّ وانطلقت. أنا لا أعتقد بأنّه يمكن أن تكون هناك طاعة مسيحيّة حقيقيّة إذا لم تكن هذه الطّاعة صادرة عن الإرادة، ومسؤولة. إنّ الروح القدس يوزّع مواهبه بوفرة بين أعضاء شعب الله – الذين يتحمّلون جميعًا مسؤوليّة رسالة الكنيسة. وهذا يتطلّب الحصول على تنشئة مسيحيّة وتكوين صحيح، لما تتطلّبه مسيرة الحياة على الأرض.
لقد ائتُمِنْتُ على خدمة التعليم الذي هو نقل بشرى الإنجيل. وعلى من قبل البشرى أن يستفيد منها قبل سامعها. وهنا يقول القدّيس البابا بولس السادس: "يصغي الانسان المعاصر باهتمام الى الشهادة أكثر مما يصغي إلى المعلّمين. وإذا أصغى إلى المعلّمين فلكونهم شهودًا".
وائتُمِنْتُ على خدمة التقديس حيث أنّ مسؤوليَّتي هي السّهر على كلّ الاحتفالات لكي تحافظ على قدسيّتها، وتكون صورة حيّة عن الهويّة المارونيّة. وما ستقدّمه الجوقات الثلاث اليوم هو صورة عن الليترجيّة المارونيّة.
وائتُمِنْتُ أيضًا على خدمة التدبير التي غايتها تكوين الجماعة المؤمنة، "بيعة الله"، أي متابعة حاجات وهموم شعبنا لنكون قريبين منهم في حياتهم الروحيّة وفي تطلّعاتهم إلى عيش كريم. هي محطّات رئيسيّة، ومسؤوليّة مطلوبة منّا، عِشْناها ونعيشها بالتّعاون مع الاخوة الكهنة الرّهبان والراهبات وأبناء رعايانا. رسالة فرح وتجدّد مستمرّ نحاول أن نترجم إرادة الكنيسة في المسيرة السينودوسيّة "السير معًا". لنؤكّد أنّه علينا أن نتعاون بأيدٍ ممدودة، لأنّ رسالتنا لا تكتمل ولا تنجح إلّا بالتعاون مع الكهنة معاونينا، حيث أنّنا نتشارك في حمل الرسالة بحسٍّ كنسيٍّ عميق.
وقفتنا اليوم أردناها لنشكر الربّ على النعم والبركات التي أفاضها علينا، ولفحص الضمير إن كنّا حقيقةً أمينين على الوديعة والمسؤوليّة الكهنوتيّة والرعاية الأسقفيّة.
كما أردناها محطّةً للتفكير في مستقبل السنين القادمة حول كيفيّة تطوير حياتنا كأبرشيّة وتفاعل رعايانا بعضها مع بعض. أيضًا إمكانيّة التعاون بروح مسكونيّة مع سائر الكنائس حيث نظهر شهادتنا ومحبّتنا. سننطلق لتفعيل المجالس الأبرشيّة ليكونَ هناك تعاون جدّيّ ومسؤوليّة مشتركة لاسيّما في المجال الرعويّ والتربويّ والاعلاميّ. أيضًا تفعيل حياة الجماعات العيليّة، أنشطة الشبيبة، كذلك أولادنا في مدارس الأحد، وأيّ تجمّعات أخرى. نستمدّ ذلك من روحانيّة الكنيسة المارونيّة التي يعيشها الأسقف ومنها يستمدّ تجديده الدّائم وسلاحه الأمضى في خدمته حتّى تتمكّنَ الأبرشيّة من مواجهة تحدّيات الحاضر والمستقبل، مستكشفةً ثوابت التاريخ وعناصر الرجاء الكامنة فيها وفي مؤسّسها لتتمكّن من تخطّي الصعوبات التي تعترض مسيرتها وتهدّد وجودها وإستمراريّتها.
أريد منكم يا إخوتي في المحطّة الجديدة من حياتنا كأبرشيّة أن ننتقل من أبرشيّة مستلقية إلى أبرشيّة منطلقة ومرسلة.
في المسيرة السنودوسيّة علينا ان نترك أمكنة طمأنينتنا لننطلق في مسيرة تفتيش حثيثةعن ما يعيق تقدّمنا في حياتنا الروحيّة وفي شهادتنا للمسيح المتخفي في كل انسان نلتقيه.
أقترح عليكم مسارات أربع للتفكبر والتّأمّل:
أوّلًا: أن نجرؤ على أخذ مبادرات عمليّة تقلّص المسافات بين رعايانا لتفعيل انشطة مشتركة.
ثانيًا: نشارك فعليًّا في العمل الرسوليّ، بمعنى "نغطس" على مثال يسوع الذي غسّل أرجل تلاميذه.نتشارك في حاجات شعبنا وأبنائنا الرعوية والاجتماعية.
ثالثًا: لا نتوقف عند الصعوبات وعند ضُعفات الأشخاص بل نعتبرها فرحًا وتحدّيات لمزيدمن الرسالة والشهادة. وننظر بنوع خاص إلى مواهب الله المغروسة في داخل كل إنسان، والتي بحاجة إلى من ينمّيها, نتفاعل مع القيم الروحية والاجتماعية.
رابعًا: نميّز المواهب الموجودة في حقول رعايانا، هناك مواهب كثيرة, ووزنات متعددة. مسيرة السينودوس تعلّمنا أن نكون تلاميذ ومبشّرين.
نحن نسير أيّها الإخوة متّكلين على العناية الالهيّة، نحن لا نبشر لوحدنا فالحبّ يعاش في البنوّة للآب وفي الأخوّة بعضنا لبعض.
في الختام، أتأمّل في كلام البابا فرنسيس في رسالته فرح الإنجيل، حيثٌ يقول:
أفضّل كنيسة مصابة ومجرّحة وملوّثة لأنّها سلكت الطرقات، على كنيسة مريضة بسبب الإنغلاق ورفاهة التمسّك بآمانها الخاصّ... كما يضيف: أرجو أن يستحثّنا، أكثر من الخوف أن نخطأ، الخوف أن ننغلق على ذواتنا في هيكليات حماية وهميّة خاطئة، عديمي الرحمة في عوائد نشعر من خلالها بالطمأنينة،كل منا مستقرّ في مسؤولياته بينما يعجّ الخارج بجموع جائعة،بحاجات لا تحتمل الانتظار, ويسوع يردّد لنا: أعطوهم أنتم ليأكلوا.
أيّها الإخوة والأبناء الأحبّاء، أشكر الله على أنّه دعاني لأكون بينكم خادمًا وراعيًا. أشكره على كلّ كاهن وراهب وراهبة، على كلّ عائلة وكلّ شخص – شابّ أو شابّة. أشكره على أطفالنا، والبركات التي نراها تنمو في عائلاتنا.نصلي من اجل بلدنا مصر ,رئيسا وحكومة وشعبا, من أجل الخير والاستقرار والسلام .
نكل أبرشيّتنا لرعاية وشفاعة القدّيس يوسف، وأيضًا شفاعة العذراء مريم في عيد ميلادها، كما إلى سائر القدّيسين شفعائنا، ولتكن مسيرتنا مسيرة رعاية ورسالة وشهادة لمجد الله وقداستنا.
شكرًا لمحبّتكم ومشاركتكم احتفالنا هذا، ولتشملْنا جميعًا بركة الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس.

