الكنيسة المارونيّة والموارنة في مصر brochure

الكنيسة المارونيّة والموارنة في مصر

لقد أسّس الربّ يسوع المسيح كنيسته على صـخرة إيمان الرسول بطرس إذ قال: "أنت هو الصـخرة وعلى هذه الصـخرة سأبني كنيستي" (متـى 16: 18). وهكذا، فبعد حلول الروح القدس على الرسل في العنصرة، إنطلقت الكرازة المسيحيّة وانتشرت في العالم كلّه حيث شُيّدت الكنائس والأديار على أيدي الرسل. ولأنّ الروح القدس هو روح الكنيسة وهو قائدها، فقد أعطى لكلّ كنيسةٍ ميـزاتٍ ومواهب خاصّةٍ بها، فكان لكلٍّ منها هويّتها وطقسها وروحانيّتها.

يهدف هذا المنشور إلى التعريف بهويّة الكنيسة المارونيّة، منذ نشأتها على يد القدّيس مارون إلى يومنا هذا، كما يهدف، في قسمه الأخيـر، إلى الإضاءة علـى أصل وجود الموارنة في جمهوريّة مصر العربيّة وتأسيسهم لأبرشيّة القاهرة المارونيّة.

من هو القدّيس مارون؟

تُنسَب الكنيسة المارونيّة إلى مؤسّسها القدّيس مارون (350 – 410)، وهو راهبٌ كاهنٌ تنسّك في القورشيّة في سوريا بغية الإتّحاد مع الله مكرّسًا كلّ أوقاته للصلاة والتأمّل. هرب من المشاحنات اللاهوتيّة حول طبيعة المسيح الّتي كانت سائدة في ذلك العصر، وابتكر طريقةً جديدةً في الترهّب، هي الترهّب في العراء، أي دون الإيواء إلى سقفٍ ما عدا خيمةٍ صغيرةٍ ما كان يستظلّها إلّا نادرًا.

من مارون إلى الموارنة

ما إن انتشر صيت قداسة مارون الإلهيّ – كما يسمّيه ثيودوريطوس أسقف قورش – حتّـى لحق به تلامذة عشقوا طريقه في طلب القداسة، فعاشوا في شقوق الأرض والمغاور بالقرب من صومعة معلّمهم، مقتفين خطاه في قهر الذات والصلاة. وكثـر عدد هؤلاء التلامذة فاجتمع عددٌ كبيـرٌ منهم في دير مار مارون في أفاميا قرب نهر العاصي، وما لبث أن دُعيوا موارنة نسبةً لمعلّمهم مارون.

الموارنة في لبنان

توسّع الإنتشار المارونيّ من سوريا إلى جبل لبنان خلال فتـرة الفتح الإسلاميّ قي القرن السابع م.، فتركّز الموارنة في الجبال حيث أنشئوا الأديار والصوامع، فأضحى جبل لبنان مركزًا للثقل الديموغرافيّ المارونيّ.

نشأة البطريركيّة المارونيّة

أمّا في ما يخصّ نشأة البطريركيّة المارونيّة، فإنّه خوفًا من أن يظلّ الكرسيّ الإنطاكيّ شاغرًا بسبب التقلّبات السياسيّة البيزنطيّة، إنتخب الموارنة سنة 685 يوحنّا مارون (الذي كان أسقفاً على مدينة البتـرون) بطريركاً على إنطاكية. وبهذا أصبح الموارنة طائفةً بحدّ ذاتها، وهي الكنيسة الشرقيّة الوحيدة الّتـي ظلّت في شركةٍ متواصلةٍ دون انقطاعٍ مع الكرسيّ الرسوليّ في رومــا، دون أن يكون لها فرعٌ أورثوذكسيٌّ كسائر كنائس الشرق.

الكنيسة المارونيّة عبر التاريخ

شهد تاريخ الموارنة حقباتٍ عديدةً ومختلفةً: من الحملات الصليبيّة والإرساليّات الغربيّة الّتـي أمّنت جسر التواصل بين الموارنة وكنيسة روما، إلى حكم المماليك والعثمانيّين وصولًا إلى إنشاء دولة لبنان الكبيـر الّذي لعب فيه الموارنة الدور الرائد.

كما تجدر الإشارة إلى الدور الّذي لعبه الموارنة من خلال مساهمتهم في الإنتعاش الكبيـر الّذي شهده الوطن على الصعيد الثقافيّ والإقتصاديّ والإجتماعيّ خلال القرن العشرين.

الموارنة في العالم

باستثناء المناطق المحيطة بلبنان مثل سوريا وفلسطين وقبـرص، فإنّ حركة الهجرة في الكنيسة المارونية قد بدأت في القرن التاسع عشر وتفاقمت خلال الحرب العالميّة الأولى وأيضًا خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة (سنة 1975)، وصار عدد موارنة الإغتـراب ضعفَي عدد موارنة لبنان. إلّا أنّ الكنيسة المحلّيّة حاولت الحفاظ على الصلات مع المغتـربين عن طريق إنشاء رعايا ومن ثمّ أبرشيّاتٍ لها في بلاد الإغتراب.

لقد تميّـز المهاجر المارونيّ بكونه رجلًا صاحب مبادرةٍ وشـجاعةٍ، ذا مقدرةٍ كبيـرةٍ على التكيّف بمحيطه، فهو عضوٌ عاملٌ في المجتمع الّذي استقبله، يشترك في تطوّره وتقدّمه، وهذا دون أن يقطع علاقاته مع تراثه الثقافيّ الّذي ورثه عن أجداده، فحافظ على هويّته المارونيّة من خلال تمسكّه بالليتورجيّا والصلوات الطقسيّة المارونيّة، فكان العمل على ترجمة النصوص الليتورجيّة من اللغة العربيّة إلى لغة البلد الّذي قدم إليه.

الموارنة في مصر

إنّ أوّل ما ينبـئ عن وجود الموارنة في مصر هو ما ذُكِر في المخطوط المحفوظ في المتحف البريطانيّ و عنوانه ”الابتهالات” و قد جاء فيه : ” إن راهباً مارونياً قد نسـخه سنة 1498 و هو القس موسى، الراهب اللبنانيّ و أنّ هذا الراهب كان مقيماً في القاهرة و قتئذ، و كان خادماً لموارنتها ” . كما يظهر تسـجيلُ ولادات وزواجات موارنةٍ في سـجلّات الآباء الفرنسيسكان في القرن السابع عشر. وقد جاءت زيارة البطريرك جرجس عميـرة اإسهدنيّ سنة 1638 لأبنائه الموارنة في القاهرة لتدلّ على وفرة عددهم في مصر واهتمام الكنيسة بهم.

في عام 1736، عقب ختام المجمع اللبنانيّ، قام المطران العلّامة السمعانيّ بزيارة القطر المصريّ، وتعرّف هناك على احتياجات الموارنة وعلى غايتهم بوجود كهنةٍ من بني جنسهم، يقومون بخدمتهم الروحيّة. فرفع كتابًا إلى البطريرك المارونيّ من أجل أن يطلب من الرئيس العام للرهبان المريميّين أن يوفد كهنةً من رهبانه لخدمة الموارنة بمصر. وسرعان ما لبّـى طلبهم بارتياح، وقدم الرهبان إلى مصر، متنقّلين مع تنقّلات أبناء الجالية، إبتداءً من دمياط سنة 1745، ثمّ إلى الزقاقيق ومصر القديمة ودرب الجنينة وشبرا والمنصورة ومصر الجديدة والزيتون وبور سعيد، كما سافروا إلى الخرطوم في السودان. وتجدر الإشارة إلى وجود كهنةٍ أبرشيّين في القاهرة وفي مدنٍ أخرى كالإسكندريّة والإسماعيليّة.

ونظراً إلى تكاثر عدد الموارنة أنشأ البطريرك الياس الحوّيك في مصر والسودان نيابةً بطريركيّةً عام 1906، ومن ثمّ أُنشِئت الأبرشيّة المارونيّة سنة 1946 مع البطريرك أنطوان عريضة والتي تضمّ حاليًّا ستّ رعايا، وهي التالية:

سانت تريز - بور سعيد (1859)

سانت تريز - الإسكندريّة (1867)

مار جرجس - شبرا (1881)

كاتدرائيّة مار يوسف - المطرانيّة المارونيّة - الظاهر (1908)

مار مارون - مصر الجديدة (1916)

سانت تريز - الإسماعيليّة (1939)

إضافةً إلى ذلك، تضمّ الأبرشيّة مؤسّساتٍ تربويّةً واستشفائيّةً وخيريّةً، وهي: مدرسة القديس يوسف في الظاهر بجوار المطرانية، مدرسة مصر الجديدة للآباء المريميّين، مستشفى القديسة ريتا في مصر الجديدة، جمعيّة المساعي الخيريّة المارونيّة في القاهرة، وهي جمعيّةٌ خيريّةٌ تؤمّن المساعدات للفقراء وخدماتٍ تعليميّة واستشفائيّة، والجمعيّة الخيريّة المارونيّة والنادي المارونيّ في الإسكندريّة.

 خلاصة

نزل الموارنة في مصر منذ أقدم العصور ، و على مثال الفنيقيّين جعلوا منها سوقًا تجاريّةً و منتجعًا سياحيًّا، واستطاعوا لاحقًا بذكائهم ومهاراتهم أن يسهموا في بناء حضارةٍ عريقةٍ وأن يحتلّوا مكانةً مرموقةً في عالم الفكر والسياسة والإجتماع والإعلام. فصـحّت بهم المقولة علـى لسان المستشرق غبريللي: "الموارنة هم الخطّ الواصل حضاريًّا بين الشرق والغرب".